الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

الجديد في عالم القنابل


هل بدأنا عصراً تصير فيه القنبلة الذرية والهيدروجينية من كلاسيكيات القول؟ وهل هو عصر تقوّم فيه الدول الضعيفة بأنها لا تملك إلاّ قنابل نووية أو هيدروجينية فقط؟
قد يبدو طرح السؤالين بحد ذاتهما مستغرباً؛ إذ هل هناك قنابل مرعبة أكثر من القنابل الهيدروجينية والنووية؟ وأي عاقل يقبل بأنه يمكن تصوّر عصر تصبح فيه القنبلة النووية علامة ضعف عسكري لمن يملكها؟!
ونجيب بأنه على الرغم من غرابة السؤالين السابقين، فإنهما في الواقع مما يتم تداوله وطرحه على ساحة السباق، لتطوير القنابل واختراع أنواع جديدة منها لا تخطر على بال، وكل نوع يجعل بشكل أو بآخر القنابل النووية والهيدروجينية وأمثالهما نعمة، قياساً بما تحمله القنابل الجديدة من قوة وتدمير؛ والمقلق أن هذه القنابل الجديدة لم تعد في حيّز التصورات، بل هي في وارد التطبيق والاستعمال، ولا يمر يوم إلاّ ويتحدثون فيه عن جديد في هذه القنابل التي أوشكت أن تقلب مفاهيم التسلُّح العالمي وتجعل ما هو موجود من الأسلحة الآن مجرد قنابل تصلح للمتاحف، ولنا أن نستعرض بعض هذه القنابل الجديدة.

قنبلة أشعة غاما

الولايات المتحدة عاكفة منذ سنوات على اختراع قنبلة مرعبة، هي قنبلة أشعة غاما التي تنتج طاقة تفجيرية ضخمة باستخدام الذرة، ولكن من دون حصول انشطار نووي، ويمكن لجرام واحد من هذه العبوة الجديدة أن يختزن طاقة تفوق ما ينتجه (50) كيلوجراماً من مادة "تي إن تي" شديدة الانفجار، وقد ضمّنت وزارة الدفاع الأمريكية قنبلة أشعة غاما قائمة التقنيات العسكرية الحيوية التي تعتمدها لتطوير أسلحتها والتخطيط لمستقبل الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتمد نظرية قنبلة أشعة غاما على أن ذرات بعض العناصر يمكن أن تتواجد في حالة طاقة عالية، وهي تتبدد ببطء من خلال إطلاق أشعة غاما، وقد أثبت علماء أمريكيون في جامعة تكساس في عام 1999م، أن من الممكن إحداث ذلك التأثير اصطناعياً من خلال إطلاق الأشعة السينية (أشعة إكس) على متجازئ عنصر يُسمّى "هافنيوم"، ولكن المشكلة الحالية في هذا المجال تتمثل في عدم وجود كميات كافية من عنصر ال "هافنيوم"، إذ لا يتم إنتاجه حالياً إلاّ بكميات ضئيلة، ولكن يمكن خلال السنوات العشر القادمة وعلى ضوء الجهود البحثية الحالية إنتاج كميات مقبولة منه، بيد أنه سيكون مرتفع الثمن، مثله مثل اليورانيوم، أي أن الحصول على كيلو جرام من الهافنيوم سيكلِّف آلاف الدولارات، وقد تبلغ التكلفة ضعف الحصول على كيلوجرام من اليورانيوم، ولكن بالإمكان استخدام أي كمية من الهافنيوم على النقيض من اليورانيوم الذي توجد حاجة لكمية كبيرة منه لتحقيق انشطار نووي.
وحتى نهاية عام 2004م كانت أبحاث العلماء الأمريكيين بشأن قنبلة أشعة غاما ماتزال في مراحلها الأوّلية، مع تأكيدات العلماء الأمريكيين بأن إنتاج هذه القنبلة لن يتحقق قبل مرور سنوات عديدة، ومع ذلك أعرب الخبراء عن قلقهم الشديد من هذه القنبلة والأبحاث الجارية حولها، وصدرت ردود فعل دولية تعبّر عن هذا القلق، من ذلك مثلاً البيان الذي أصدره المعهد المستقل للبحث العلمي في جنيف بتاريخ 4-11-2004م، وأوضح فيه أن الدول التي لا تملك هذه القنبلة لن تستطيع خوض حروب ضد تلك التي تملكها، وبالتالي فإن الدول التي لا تملكها ستسعى إلى امتلاكها أو اللجوء إلى امتلاك القنبلة النووية كحل بديل، وفي جميع الأحوال فإن قنبلة أشعة غاما سوف تتسبب في اندلاع سباق تسلّح شديد.

قنبلة الترويع الصوتي

أو القنبلة moab، وبحسب تقديرات الخبراء فإن هذه القنبلة في جيلها الأول قد تم تصنيعها ووضعها قيد الاستخدام، وقد أُجريت التجارب النهائية عليها من قِبَل سلاح الجو الأمريكي أواسط عام 2003م.
وتُعدّ هذه القنبلة أضخم قنبلة أنتجتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يصل وزنها إلى (21) ألف رطل، وتحمل (18) ألف رطل من المتفجرات، وقد تم تصميمها للوصول إلى أكبر مستوى من صدمة الانفجار في الهجوم الجوي على الأهداف الأرضية، وتدمير القوات المعادية المنتشرة فوق مساحة واسعة من الأرض، وهي ليست مخصصة لاختراق الأرض ومهاجمة المواقع المحصنة أو المدفونة في عمق الأرض، إنما الهدف منها هو إحداث صدمة وترويع، لما لهذين العنصرين من أهمية في التأثير المعنوي على القوات المعادية، فهي تعطي صوت انفجار هائل وقت الصدمة، ويخرج عامود ضخم من الدخان يشبه الفطر المشروم، مما يسبب الرعب ويضعف معنويات القوات المعادية.

وهذه القنبلة moab مزوّدة بنظام لتحديد الموقع العالمي gps، وتعتبر أكبر قنبلة تقليدية أُنتجت حتى الآن، فقد كانت قنبلة bu-82 تُعدّ أكبر القنابل، إذ يصل وزنها إلى (15) ألف رطل، فجاءت قنبلة moab لتجعلها في المرتبة الثانية. وقد تم عام 2003م إسقاط القنبلة moab من طائرة mc-13oh للنقل العسكري، ولم تتعد نسبة الخطأ (13) متراً، ويمكن استخدام هذه القنبلة الضخمة من طائرات C-17 الاستراتيجية للنقل العسكري، وسوف يتم استخدامها كما هو مقرر من القاذفات الاستراتيجية من طراز b-2، و b052، و b-1.

قنابلة الماسح

وتعني مسح العوامل الكيميائية والبيولوجية، ولم يتم حتى الآن تحديد اسم نهائي لها، وهي في الواقع رأس حربي للأسلحة التي تُلقى من الجو، وهدف هذه القنبلة هو اختراق منشآت تخزين وإنتاج الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ثم تقوم بمعادلة العوامل الكيميائية والبيولوجية دون أن تنشر هذه العوامل في الجو. وتقوم البحرية الأمريكية حالياً بتطوير هذه القنبلة التي قلنا إنها رأس حربي، ويشمل التطوير أن يلائم هذا الرأس استخدامه في (30) نوعاً من المقذوفات المستخدمة في الجيش الأمريكي، وأن يكون بالإمكان تركيبه في القنابل الموجهة من طراز jdam، أو الصواريخ بعيدة المدى التي تُطلق من منطقة أمان، مثل صواريخ jsow أو صواريخ الضرب المشترك jassm؛ ومن المتوقع أيضاً أن تكون البحرية الأمريكية قد انتهت من تصنيع قنابل محرقة من هذا النوع شديدة الانفجار، تحمل نوعين من الحمولة تنبعث على التوالي بمجرد اختراق القنبلة للمنشأة. وتتكون الحمولة الأولى من فتيلات تحتوي على مواد شديدة الانفجار، تقوم باختراق الخزّانات والمستودعات الحاوية للمواد الكيميائية والبيولوجية، والقنبلة الثانية تحوي (135) كيلوجراماً من المواد التي تقوم بعملية التفاعل لمعادلة المواد الكيميائية والبيولوجية.

القنبلة E-Bomb

وهو التسمية المستخدمة لعدة مصطلحات تصبّ في المعنى نفسه، مثل: القنبلة الخفيّة، والقنبلة القذرة، وقنبلة الفقراء، والمعنى في النهاية هو "القنبلة الكهرومغناطيسية"، والتي يُقال إنها لم تستخدم بعد في أرض أية معركة، ولكن لا أحد يستطيع الجزم بذلك، لأنها قنبلة تعمل بدون صوت، ولا دخان، ولا رائحة، ولا تخلِّف أي أثر من الآثار التي تنجم عن أنواع القنابل الأخرى، وهي لم تعد من ضروب الخيال العلمي، بل صارت حقيقة، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك قنابل من هذا النوع مركَّبة على صواريخ وعلى طائرات بطيار وبدون طيار. وتجري فرنسا تجارب حول هذه القنابل بمساعدة المختبرات الجامعية (ليموج ليل)، ومعاهد الهندسة، ولكنها لم تقر بعد برامج التصنيع والتطوير عليها. وبحسب الصحافة الغربية فإن السويد واستراليا اشترتا من روسيا في عام 1998م قنابل صغيرة من هذا النوع على سبيل التجربة، وهو ما يعني أن روسيا جادة في تطوير هذه القنابل وتصنيعها. وفي أغسطس 2002م لمَّح وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) بإمكانية استخدام القنابل e-bomb في الحرب على العراق، علماً بأن القيادة الأمريكية لم تخف وجود ميزانية خاصة لتطوير القنابل الكهرومغناطيسية، ولكن بدون ذكر أي تفاصيل. ومنذ نهايات القرن الماضي تقوم عدة مختبرات مموّلة من الجيش الأمريكي بتطوير برامج هذه القنبلة، وفي عام 1996م قامت القوات الجوية الأمريكية بإجراء تجربة حيّة في كاليفورنيا باستخدام قنبلة كهرومغناطيسية ضد حوّامة متطورة، فتم تعطيل معظم الأجهزة الإلكترونية والكهربائية في الحوّامة.
وهكذا يقف العالم على عتبات ظهور سلاح جديد يتمثّل في القنبلة الكهرومغناطيسية، أو القنبلة الإلكترونية بحسب تسمية آخرين لها.

لا تقتل .. ولكن!!

وحكاية هذه القنبلة بدأت عندما لاحظ العسكريون والعلماء أن ذبذبات الموجات القصيرة تؤثِّر على عمل الأجهزة الإلكترونية وتعطِّلها، وهو أمر يمكن أن نلاحظه في بيوتنا، إذ إن وجود جهاز هاتف محمول بقرب جهاز تلفزيون يعطِّل عمل جهاز التحكّم في التلفزيون، وهو المبدأ نفسه الذي حدث في عام 1958م، ففي تلك السنة أُجريت تجربة للقنبلة الهيدروجينية فوق المحيط الهادي أدّت إلى تفجيرات في إشعاعات غاما، التي ما إن اصطدمت بالأوكسجين والنتروجين في الجو حتى أطلقت إلكترونيات انتشرت مئات الأميال، وكانت النتيجة المباشرة لذلك، أن انطفأت الأنوار في جميع شوارع هاواي وتعطّلت الاتصالات البحرية، وصولاً إلى استراليا لمدة 18 ساعة، ومنذ ذلك التاريخ ظهرت فكرة السلاح الكهرومغناطيسي.

أما السيناريو الذي يمكن وضعه في حال استخدام هذا السلاح، فيبدأ من صوت انفجار يشبه صوت الرعد، وخلال سرعة قياسية جداً يعم الظلام في المنطقة المستهدفة، حيث تنطفئ كل الأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية وتتعطّل الكمبيوترات وتختفي كل المعلومات المخزنة فيها، والخطوط الهاتفية تتوقف، والأجهزة الخليوية تتجمّد وتفرغ بطارياتها، وبالتالي لا محركات تعمل، ولا سيارات تسير، ولا محطات للطاقة، ولا مولِّدات للكهرباء، ولا مصانع، ولا مشافي، ويمتلئ الجو برائحة حريق البلاستيك من ذوبان كابلات الكهرباء وأسلاك الهاتف.

الأمر نفسه يحدث إذا أُلقيت القنبلة الكهرومغناطيسية على منطقة عسكرية، إذ في السرعة القياسية ذاتها، تتوقف الرادارات والحواسيب والكمبيوترات التي تتحكم بالأسلحة، وتتحوّل كل أنواع الأسلحة إلى مجرد هياكل وخردة، لأنها غير قادرة على العمل، وبالتالي تصبح المنطقة العسكرية بكل محتوياتها هدفاً أقل من سهل يمكن تدميره بسهولة غير مسبوقة. ويحدث ذلك لأن القنبلة الكهرومغناطيسية هي عبارة عن رأس حربي من شحنات إلكترومغناطيسية عالية جداً، ترسل عندما تنفجر زخّات من الطاقة الكهربائية، قوتها مليار واط في جزئيات من الثواني، فتعطل كل ما يعمل في مدى مئات الأميال. ويحمل هذه القنبلة صاروخ كروز، أو قذيفة مدفع من عيار 155 ملم، أو قاذفة صواريخ، وعندما تبلغ هدفها يتفكك غلافها ليحدث الانفجار الإلكترومغناطيسي وترسل شحنات عالية من الطاقة بالمكرويف، وفوراً تتحول كل تيارات الطاقة والهوائيات والمحركات إلى لاقطات لشعاعات من هذه الطاقة، ويمكن ضبط مجال القنبلة من عدة عشرات الأمتار إلى دائرة قطرها كيلومتران.

ضمن هذه المعطيات نستطيع القول إن القنبلة الكهرومغناطيسية تختلف عن القنبلة التقليدية بأن قوة الدفع فيها تعتمد على موجات تنطلق من خلال مولد حراري أو ضوئي، وليس على تفاعل كيميائي نتيجة احتراق البارود، وبينما تصل أقصى سرعة للقذيفة العادية 30 ألف كم-ث، فإن سرعة الموجة تصل إلى (300) ألف كم-ث، أي سرعة الضوء.

مكونات القنبلة الكهرومغناطيسية

كما قلنا، تسمّى القنبلة الكهرومغناطيسية أيضاً بقنبلة الفقراء، نظراً لبخس تكاليف إنتاجها قياساً بتكاليف تصنيع القنابل الأخرى (400 دولار تكلفة إنتاج القنبلة الواحدة)، وهو ما سيمكن أية جهة من امتلاك هذه القنبلة، بل إن مكونات هذه القنبلة بسيطة من الناحيتين التقنية والعلمية، بحيث سيمكن إنتاج شكل مبسّط منها من قِبَل أي معمل صغير للأسلحة، وتتألّف هذه المكونات كما يلي:


1 . Generators Explosively Pumped Compression

. مولّدات ضاغطة للمجال عن طريق ضخ المتفجرات وهي مولدات تستطيع إنتاج طاقة كهربائية تقدر بعشرات الملايين من (الجول) خلال زمن يتراوح بين عشرات ومئات الميكروثانية في حزمة مدمجة، وينتج عن ذلك أن تصل القيمة القصوى للقدرة إلى عشرات التيروات (التيروات يساوي 12810 وات)، وتتراوح شدة التيار الناتج عن هذه المولّدات (100) ضعف التيار الناتج عن البرق أو الصاعقة.

وتتركز الفكرة الأساسية في هذه التقنية على استخدام متفجرات تقوم بضغط المجال المغناطيسي، ويتم إنشاء المجال المغناطيسي البدئي قبل بداية تشغيل المتفجرات بواسطة تيار البدء، الذي يمكن الحصول عليه من مصدر خارجي، مثل: مجموعة مكثّفات جهد عالي، أو مولّد مغنطة ديناميكية، أو أي جهاز قادر على إنتاج نبضة تيار في حدوث ملايين من الأمبيرات. ويبدأ الجهاز عمله بإشعال المتفجرات عندما يصل تيار البدء إلى أعلى قيمة له، ومن ثم ينتشر التفجير عبر المتفجرات الموجودة في حافظة تتحول إلى شكل مخروطي، مما يؤدي إلى ضغط المجال المغناطيسي المتولد، والنتيجة تكون نبضة كهربائية تصل إلى قيمتها القصوى قبل تدمير الجهاز.


2. Explosive and prepellant driven MHD Generators


مولّد المغنطة الديناميكية الهيدروليكية ذات الدفع من المتفجرات أو الوقود النفّاث ولا يزال تصميم هذه المولدات في مراحل بدائية والأبحاث العسكرية التطويرية تدور حول تطوير هذه المولدات، والفكرة الأساسية في عمل هذه المولدات تتلخص في أنه عند تحرّك موصِّل معدني في مجال مغناطيسي تتولّد قوة دافعة كهربائية، وبالتالي تيار في اتجاه عامودي على اتجاه الحركة وعلى اتجاه المجال المغناطيسي، وفي هذا النوع يكون الموصِّل المعدني هو البلازما، أي الحالة الرابعة للمادة الناتجة عن اللهب المتأيِّن للمتفجرات أوغاز الوقود النفّاث، والتي تنتشر عبر تيار المجال المغناطيسي الذي سيتم تجميعه بواسطة أقطاب كهربائية تلامس نفاث البلازما.

هذه هي مكوّنات عمل القنبلة الكهرومغناطيسية، وهي كما نرى مكونات بسيطة، ومع ذلك، هناك عوائق كثيرة مازالت قائمة أمام تصنيعها بشكل تام، منها أن المولِّدات الضاغطة للمجال لها فاعلية تقنية في توليد نبضات كهربائية عالية القدرة، ولكنها بطبيعة تكوينها لا تستطيع أن تنتج هذه النبضات بترددات أكبر من (1) ميكا سيكل-ث، وهي ترددات منخفضة مهما كانت شدتها، ومن ثم فإنها لا تتيح مهاجمة الأهداف التي تتطلب ترددات أعلى من ذلك، وهذه المشكلة يتم العمل على التخلُّص منها بواسطة تقنيات الميكرويف ذات القدرة العالية hpn من خلال مولّدات خاصة يتم العمل على إيجادها، ومنها المولد "مذبذب المهبط التخيُّلي" (Vercator)، حيث تهدف الأبحاث إلى إكساب هذا المولد شعاعاً إلكترونياً ذا تيار عالٍ لعجلة تسارعية في الحركات من خلال شبكة مصدر، وعند عبور عدد كبير من الإلكترونيات لهذا المعبر تتكون خلفه فقّاعة شحنات بتردد متناه القصر "ميكرويف"، فإذا ما تم وضع هذه الفقاعات من الشحنات في فجوة رنين يتم توليفها بعناية، يمكن استخراج طاقة الميكرويف من هذه القيمة من خلال فجوة الرنين، ونظراً لأن تردُّد الذبذبة يعتمد كلياً على مدلولات وقيم الشعاع الإلكتروني، فإنه يمكن توليف هذا الجهاز Vercator على تردّد، بحيث يساعد فجوة الرنين في تقوية الشكل المناسب للموجة.

من هذا يمكن القول إن التطوير الجاري الآن على القنبلة الكهرومغناطيسية لا يبحث في شيء غير موجود، بل في سبل التغلُّب على المصاعب الموجودة في هذا الشيء، ومنها تعظيم وزيادة فترة القدرة القصوى للإشعاع الكهرومغناطيسي للقنبلة، وذلك باستخدام أقوى المولِّدات الضاغطة للمجال، أو أقوى مذبذب للمهبط التخيُّلي، وكذلك تعظيم كفاءة اتصال القنبلة بالهدف، فنظراً لتنوُّع طبيعة الأهداف وتعقيداتها التقنية، يتم الآن دراسة كل حالة على حدة طبقاً لحزم الترددات الناتجة عن كل سلاح، كما أنه لتعظيم كفاءة اتصال القنبلة بالهدف، وخصوصاً في حالة القنابل ذات التردُّد المنخفض التي يتم فيها استخدام مولّدات ضغط المجال، فإنه يجب استخدام هوائي كبير للغاية. وعلى الرغم من أن القنابل الكهرومغناطيسية يكون لها إشعاع كهرومغناطيسي على مدى واسع من الترددات، فإن معظم الطاقة المنتجة تقع في حيز الترددات الأقل من (1) ميجا هيرتز، وبالتالي فإن الهوائيات المدمجة لا يمكن استخدامها. وأحد الخيارات المطروحة لحل هذه المشكلة هو إطلاق كرة ملفوف عليها كابل، بحيث ينحل الكابل عدة مئات من الأمتار في حين تكون أربعة هوائيات شعاعية في مستوى أرضي تخيّلي حول القنبلة، بينما يستخدم هوائي محوري لبثّ الإشعاع من المولد الضاغط للمجال.

أجيال وتطوير

إنها مصاعب تجري الأبحاث والتجارب حول تذليلها، وحتى بدون تذليل المصاعب القائمة حالياً فإن هذه القنبلة قد صارت أمراً واقعاً، واستخدم الجيل الأول منها على سبيل التجربة وعلى نطاق محدود بواسطة صواريخ توماهوك لضرب شبكات الرادار في شمال العراق، وفي عام 1999م، ظهر الجيل الثاني من هذه القنابل تحت اسم (S.b.u-94)، وتم استخدامها بواسطة قوات الناتو في ضرب أهداف داخل يوغوسلافيا السابقة، ومن بينها شبكات الكهرباء وأنظمة الرادار وشبكات الدفاع الجوي وأنظمة الاتصالات التابعة للجيش الصربي الذي كان في ذلك الوقت من أقوى جيوش أوروبا، أما الجيل الثالث وما بعده من هذه القنبلة فهو الآن طي الكتمان الشديد والسرِّية المطلقة.
وقد رأى الخبراء العسكريون الأمريكيون أن نتائج استخدام القنبلة الكهرومغناطيسية في التجربتين لم يكن مُرضياً، ذلك أن تأثير القنبلة الواحدة كان محدوداً ولم يتجاوز الكيلومتر الواحد، وهو ما يتطلب استخدام عدة قنابل في كل مرة.
وقنابل الجيلين الأول والثاني يمكن إسقاطها من الحوّامات أو الطائرات باستخدام التقنية المستخدمة في إسقاط القنابل التقليدية نفسها، مثل تقنية الانزلاق الشراعي والتوجيه الملاحي بواسطة الأقمار الاصطناعية، وتحتل القنبلة الكهرومغناطيسية الحجم والمساحة المخصصتين للمتفجرات في الرأس الحربية.

وهناك نموذجان معروفان من القنبلة الكهرومغناطيسية: النموذج الأمريكي E.M.B، ويعتمد مبدأ النبضات الكهرومغناطيسية، والنموذج البريطاني H.B.M، وهو أكثر شهرة من النموذج الأمريكي، وهو خاضع للأبحاث منذ عدة سنوات في مقاطعة (كنت) البريطانية من قِبَل إحدى الشركات البحثية وبتمويل من الجيش البريطاني.

تستخدم القنبلة الكهرومغناطيسية البريطانية موجات الميكروويف عالية الكثافة، وبحسب الشركة المكلَّفة بالتطوير، فقد تم في عام 2000م تصنيع نموذج يمكن إطلاقه بواسطة المدفعية الثقيلة عيار (155) ملم، أو بواسطة قواذف صواريخ. وهذه القنبلة الجديدة يتم تفجيرها عن بعد فوق الهدف لتفتح هوائياتها وتقوم بإطلاق نبضات عالية من موجات الميكروويف تصل قوتها إلى بليون وات في الجزء الواحد من الثانية، وهو ما يؤدي إلى شلّ وتدمير كل مظاهر التطور والتكنولوجيا في محيط الهدف، سواء كانت عسكرية أم مدنية.

وعلى عكس القنبلة الأمريكية، فإن القنبلة البريطانية لا يمكن استخدامها بواسطة الطائرات المقاتلة، لأنها قد تشكِّل خطورة على الطيارين أنفسهم بسبب التشويش الذي تسببه على الأجهزة الإلكترونية في الطائرات، وهو ما يؤدي إلى عدم قدرتهم على التحكُّم فيها وبالتالي سقوطها.
تنفجر القنبلة البريطانية على مرحلتين: الأولى بعد وصولها فوق الهدف، مما يؤدي إلى توليد كميات هائلة من موجات الميكروويف تنتشر في طبقات الجو العليا، وكلما انتشرت هذه الموجات اكتسبت مزيداً من القوة وسرعة الانتشار بسبب تفاعلها مع الأوكسجين والنيتروجين. ومع المرحلة الأولى من الانفجار تبدأ المرحلة الثانية، حيث تنطلق مجموعة أخرى من القنابل صغيرة الحجم لتتناثر فوق الهدف مباشرة وتحدث الأثر التدميري نفسه للقنبلة الرئيسة، وهو ما يعني القضاء على الهدف تماماً.

المشكلة الأكبر

يعدّ المعوّق الرئيس لاستخدام القنبلة الكهرومغناطيسية حتى الآن هو احتمال تعرُّض المهاجمين أنفسهم للضرر عندما يكونون بالقرب من مكان الهجوم، وتعرف هذه الظاهرة في المصطلحات العسكرية ب (السلاح ذو الحدين)، فبسبب القِصَر الشديد لموجات القنابل الكهرومغناطيسية فمن الصعب جداً توفير الحماية ضدها، وخصوصاً أنها تستطيع المرور من أضيق فجوة، كما أن الأثر السريع جداً لهذه القنبلة لا يتيح للطائرة التي تلقيها فرصة الابتعاد عن تأثيرها بعد انفجارها، فالتأثير يحدث بعد الانفجار خلال جزء من الثانية، وسرعة وصوله للطائرة التي رمته أسرع من سرعة الطائرة نفسها مهما كانت سرعتها، وبالتالي لن تستطيع الطائرة الابتعاد.

إنها أكبر مشكلة يواجهها استعمال القنبلة الكهرومغناطيسية، ولذلك لا يمكن التفكير باستعمالها جدياً إلاّ بعد تأمين وسائل وقاية ودفاع ضدها تؤمِّن الحماية من الإشعاع الكهرومغناطيسي، وهناك الآن فكرة أساسية تشكِّل محور الأبحاث في هذا المجال، وهي مأخوذة من مبدأ حماية الطائرات المدنية من الصواعق والبرق، وإحدى هذه الأبحاث تدور حول تدريع المعدات، وذلك بإحاطة المكوّنات الحسَّاسة في رباط من مادة موصِّلة (كمعدن) تؤدي إلى تفريغ المجالات الكهربية والمغناطيسية من شحنتها، وهناك فكرة أخرى تتمثل في استخدام هوائيات تمتص الطاقة بعيداً عن المكوِّنات الحساسة وتفرغها في الأرض. وهذا يعني أنه يجب تدريع جميع الأسلحة، والمعدات، والأجهزة الإلكترونية، والحواسيب، والمحوِّلات، والسيارات، والطائرات المدنية والعسكرية، والهواتف، والمولِّدات، والمحولات الكهربائية، والرادارات ... إلخ، بمواد موصِّلة، وهو ما يعني إعادة النظر في جميع الأسلحة، والمعدات، والأجهزة الحربية والمدنية الموجودة حالياً لحمايتها قدر الإمكان، أو استخدام أعداد كبيرة وغير محددة من الهوائيات الماصّة للطاقة، وهو أمر شبه مستحيل، بالإضافة إلى الكلفة الخيالية لهذا أو بعضه.

مع أم ضد؟

ونعود إلى ما ذكرناه في البداية، وهو إصرار المتحمسين للقنبلة الكهرومغناطيسية على أنها سلاح نظيف لا يقتل البشر ولا يريق الدماء، فشلّ وحدة عسكرية مثلاً وأسرها بسهولة أفضل من خوض معركة طويلة ضدها، وما ينجم عن هذه المعركة من قتل وتدمير وإراقة دماء، وإحساس المقاتلين في مدينة بأنهم أصبحوا عاجزين عن استعمال أي سلاح أو أية أدوات وتقنيات للحضارة سيجعلهم يستسلمون بدلاً من خوض قتال المدن الذي يلحق عادة خسائر تدميرية باهظة في السكان والأبنية.
كما أن القنبلة الكهرومغناطيسية يمكن استعمالها ضد الذين يمتلكون أسلحة دمار شامل ويهددون باستعمالها أو ينوون استعمالها، حيث ستشلّ القنبلة عمل أجهزة إطلاق الأسلحة؛ وهو ما يغني عن خوض معارك مكلِّفة كما حدث في الحرب على العراق، وبالمبدأ نفسه، يمكن استعمال القنبلة ضد اللصوص والإرهابيين، كمحتجزي الرهائن، إذ يمكن بواسطة القنبلة الكهرومغناطيسية شلّ أسلحتهم وأجهزة الاتصال فيما بينهم، وبالتالي أسرهم وإنقاذ الرهائن من بين أيديهم دون التضحية بأي من الرهائن، وفي هذه الحالة تعتبر القنبلة الكهرومغاطيسية أفضل بكثير من استعمال قنابل الغاز التي استعملتها القوات الروسية في عملية تحرير الرهائن من أيدي المتمردين الشيشان في مسرح موسكو عام 2002م ... إلى آخر الحجج التي يقدمها المتحمسون لتعميم استعمال هذه القنبلة بعد استكمال تطويرها.
ولكن في المقابل، يقف عدد كبير من العلماء والعسكريين ضد المضيِّ في تطوير هذه القنبلة، ويطالبون بوقف أي أبحاث حولها، والأسباب التي يقدمونها كثيرة، ومنها على سبيل المثال:

إن هذه القنبلة لا تقتل البشر مباشرة كما تفعل القنابل التقليدية، ولكن استعمالها في أي مكان سينجم عنه موت فوري لكل الذين يستعملون أجهزة داعمة للحياة كبطاريات القلب بالإضافة إلى تعطيلها لعمل أجهزة المشافي والدفاع المدني والمرافق المدنية التي لا علاقة لها بالحرب.
إن استعمال القنبلة الكهرومغناطيسة يعني إعادة البشرية عدة قرون للوراء، فهي تعطِّل بشكل نهائي الأجهزة والحواسيب والمعدات العلمية والسيارات والمصاعد .. إلى أخره، وهذا يعني أن المدينة التي تتعرّض للقنبلة الكهرومغناطيسية سوف تتحوّل إلى مدينة بدائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وعليها بعد انتهاء الحرب أن تبدأ مع التقنية ومعطيات الثورات الصناعية من نقطة الصفر، ومع تعميم هذه القنابل وحصول الدول عليها، فإن استعمالها سيكون متاحاً لجميع القوى المتحاربة، وسينجم قصف متبادل بها، مما يعني القضاء نهائياً على الحضارة الحديثة والعودة بالبشرية إلى العصور الوسطى.

إن بساطة تقنية القنبلة الكهرومغناطيسية ورِخَص تكاليفها حيث تبلغ الكلفة (400) دولار للقنبلة الواحدة يعني إمكانية حصول العصابات الإرهابية والإجرامية الصغيرة عليها، بل حتى امتلاكها من قِبَل الأفراد كسلاح فردي، وهو ما سيشكِّل ورقة رابحة ووسيلة ابتزاز بيد هذه العصابات والأفراد، وفي حال استعمالها من قِبَلهم فإن الكارثة ستكون كبيرة جداً على المنطقة التي استعملت فيها.

إن القنبلة الكهرومغناطيسية تلغي بشكل نهائي عامل الردع في الحروب، إذ سيكون هناك طرف يمتلك القنابل الكهرومغناطيسية يستعمله ضد قوات طرف آخر، وبالتالي سيسعى الطرف الثاني إلى امتلاك القنابل نفسها واستعمالها، وهو ما سيجعل الطرفين لا يحسبان حساباً للخسائر البشرية والمادية التي تكون في النهاية عامل ردع للطرفين عن المضيّ في الحرب والبحث عن سبل سلمية للمصالحة ووقف الحرب.
في المدى القريب وربما لعقود عديدة ستمتلك القنابل الكهرومغناطيسية الدول الكبيرة، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا، وهو ما سينجم عنه أمران: الأول: هو سيادة هذه الدول على العالم باعتبارها قادرة على شلّ قوات أي دولة من الدول غير المتقدمة، والأمر الثاني: هو ظهور حرب باردة من نوع جديد، حيث ستتنافس هذه الدول بقوة حول تطوير هذه القنابل وامتلاك طرز متطورة جداً منها، وهنا يكمن الخطر الحقيقي؛ ففي القنابل الذرية والقنابل الأخرى التقليدية يمكن تحديد الجهة التي استعملت هذه القنبلة أو تلك، وبالتالي ظهرت معاهدات واتفاقيات تحدّ أو تمنع استعمال هذه الأسلحة، أما في القنابل الكهرومغناطيسية فإنه لا يمكن تحديد الجهة التي استعملت القنبلة، كما لا يمكن ضبط عدد وحجم القنابل المسموح لكل دولة بامتلاكها، وبالتالي لا يمكن إخضاع هذه القنابل للقانون الدولي أو لاتفاقيات ومعاهدات دولية.

إن الاستعمال المحتمل للقنابل الكهرومغناطيسية سيكون بدرجة أساسية ضد المدنيين، وهو ما يعني أنها ستكون وسيلة قمع بيد الأنظمة الديكتاتورية ضد شعوبها، وهو ما عبّر عنه البروفيسور (دافيد فيدلر) أستاذ القانون في جامعة فلوريدا، وأحد أشهر معارضي القنبلة الكهرومغناطيسية قائلاً: "إن هذه القنابل سوف تستخدم على الأغلب ضد المدنيين، ولن تكون هناك قواعد عالمية تحكم استخدامها في الصراعات المسلحة، وإن استعمال هذه القنابل مع الأسلحة التقليدية ستجعل الحروب أكثر دموية وأشد تدميراً".

نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية بتاريخ 12-6-2003م، بحثاً للبروفيسور (برنار فيريه) رئيس معمل تفاعلات الموجات مع المواد بجامعة "بوردو" نفى فيه مقولة إن القنبلة الكهرومغناطيسية لا تؤثر سلباً على البشر، بل أثبت بالبراهين العلمية الدقيقة بأن الأجزاء التي تركّز عليها الطاقة الكهرومغناطيسية في الجسم البشري هي المخ، والرقبة، والصدر، والغدد التناسلية، وتكفي جرعة من الإشعاع المستمر في إحداث ميول اكتئابية واضطرابات في الذاكرة وإصابات جلدية، ونزيف في العين، وأمراض سرطانية كثيرة، وهو ما يعني دخول البشر الذين كانوا ضمن محيط تأثير القنبلة الكهرومغناطيسية بسرعة إلى دوّامة من المعاناة مع سلسلة طويلة من الأمراض النفسية والجسدية المؤلمة، والتي تنتهي بهم إلى الموت المؤلم، أي أن تأثير القنبلة الكهرومغناطيسية على البشر يعادل تأثير اليورانيوم المنضّب إن لم يكن أقوى منه.

والخوف الأكبر يبديه أيضاً العلماء من قناعتهم بأن النجاح في إيجاد أجيال متطورة من القنبلة الكهرومغناطيسية سيؤدي إلى البدء بتطوير القنبلة الميكروية التي تعمل على مبدأ القنبلة الكهرومغناطيسية نفسه، ولكن الإشعاعات التي تطلقها تؤدي إلى قتل البشر هذه المرة ودون أن يعرف البشر من أين يأتيهم الموت، ومن هذا كله يرون أن القنبلة النووية والذرية وحتى الجرثومية أرحم بكثير من القنبلة الكهرومغناطيسية.
ولكن هل سيأخذون بالتحذيرات والأصوات المناهضة لهذه القنابل؟
الجواب بالتأكيد بالنفي، وعندها يعلم الله وحده أي مصير ينتظر العالم والبشرية!!

المصادر


Military Technology, 6-2001.
International Defense Review, 2-2002.
Military Technology, 6-2004.
Aljazeera.net/health/2003/12/12.

محمد محمود إبراهيم، النيوتروينو، ذلك الشبح، مجلة العربي، العدد (544)، مارس 2004م.
وكالة الأنباء الصينية، عدة تواريخ خلال عام 2004م.
وهبي علي محمود، حروب غير مرئية، جريدة المستقبل، 2-3-003، بيروت.


1 التعليقات:

غير معرف يقول...

صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما قال أن حروب المستقبل ستكون بالأحصنة و الرماح والسهام و ليس بالطائرات و الدبابات و الأساطيل البحرية المتطورة

إرسال تعليق

برامج يجب توفرها على جهازك لاستعراض محتويات الموقع جيدا

حمل برنامج الفايرفوكسحمل قاريء ملفات pdfحمل برنامج winzipحمل برنامج winrarحمل مشغل الفلاش